- نُشر في
صعود الموسيقى العربية في الأسواق العالمية: فنانون عرب يحققون شهرة عالمية
- المؤلفون
- الاسم
- محمد العربي
- تويتر
- @arabicartblog
صعود الموسيقى العربية في الأسواق العالمية
في عصر أصبحت فيه منصات البث الرقمي والشبكات الاجتماعية تلغي الحدود الجغرافية، بدأت الموسيقى العربية تشق طريقها بقوة نحو الأسواق العالمية، محققةً نجاحات غير مسبوقة وجاذبةً جماهير من مختلف أنحاء العالم. هذه الظاهرة ليست وليدة الصدفة، بل هي نتاج سنوات من التطور والإبداع في المشهد الموسيقي العربي، مدعومة بموجة من المواهب الشابة التي تمزج بمهارة بين الهوية العربية الأصيلة والأنماط الموسيقية العالمية.
يشهد العالم اليوم تحولاً جذرياً في استهلاك الموسيقى وإنتاجها، حيث أصبحت الحدود بين الأنماط الموسيقية المختلفة أكثر مرونة، وأصبح المستمعون أكثر انفتاحاً على اكتشاف أصوات وإيقاعات من ثقافات متنوعة. في هذا السياق، تمثل الموسيقى العربية بتنوعها الثري وتاريخها العريق كنزاً ثقافياً بدأ العالم يكتشف جمالياته وتعقيداته.
يقول الدكتور فادي بشارة، أستاذ الموسيقى والدراسات الثقافية في جامعة نيويورك أبوظبي: "نحن نشهد لحظة تاريخية في تطور الموسيقى العربية، حيث تتجاوز حدودها التقليدية وتدخل في حوار مع الأنماط الموسيقية العالمية، مع الحفاظ على هويتها وخصوصيتها. هذا ليس مجرد انتشار للموسيقى العربية، بل هو إعادة تموضع لها في المشهد الموسيقي العالمي."
إليانا: صوت فلسطيني يكسر الحواجز
تعتبر الفنانة الفلسطينية-التشيلية إليانا من أبرز الأصوات العربية التي حققت اختراقًا عالميًا مؤخرًا. في عام 2023، أصبحت إليانا أول فنانة عربية تقدم مجموعة كاملة من الأغاني باللغة العربية على المسرح الرئيسي لمهرجان كوتشيلا الشهير في الولايات المتحدة، وهو إنجاز تاريخي يُظهر تزايد الاهتمام العالمي بالموسيقى العربية.
"لم أخطط أبدًا للغناء بالعربية،" تقول إليانا في إحدى المقابلات، "لكنني جربت الأمر بناءً على اقتراح في استوديو التسجيل، وكان القرار الأفضل في مسيرتي."
أغنيتها الأولى "أنا لحالي" التي أُطلقت عام 2020، تجاوزت 24 مليون استماع على منصة سبوتيفاي، وفي عام 2021 أصبحت من الفنانين الرئيسيين لشركة Universal Arabic Music، وهي فرع من شركة Universal Music العملاقة.
ما يميز موسيقى إليانا هو مزجها بين هويتها الفلسطينية-التشيلية، حيث تجمع بين التأثيرات الموسيقية العربية واللاتينية. فأغنيتها "جنني" على سبيل المثال، تمزج بين إيقاعات الريغيتون وأصوات البوق اللاتينية مع الطبول الشرق أوسطية والزغاريد العربية.
ويجز: ثورة موسيقية من مصر
يعتبر المغني المصري ويجز من أبرز الأسماء الصاعدة في المشهد الموسيقي العربي والعالمي. بدأ مسيرته كمغني راب، لكنه سرعان ما وسّع آفاقه الموسيقية ليشمل أنماطًا متعددة من الموسيقى.
أغنيته "البخت" حققت نجاحًا هائلًا على المستويين المحلي والعالمي، حيث مزج فيها بين عناصر من موسيقى الأفروبيتس والموسيقى العربية التقليدية، مع كلمات تعبر عن مشاعر عميقة وصادقة.
"الموسيقى هي لغة عالمية، وأنا أريد أن أقدم الثقافة المصرية والعربية للعالم من خلالها،" يقول ويجز.
التأثير المتنامي للموسيقى العربية عالميًا
يشير رمزي السلطي، أستاذ في جامعة ستانفورد ومقدم بودكاست "Arabology" حول الثقافة والموسيقى العربية، إلى أن سر نجاح الفنانين العرب الجدد يكمن في قدرتهم على الجمع بين التأثيرات الشرقية والغربية بسلاسة.
"أعرف أن والدتي البالغة من العمر 85 عامًا ستستمع إلى إليانا وتستمتع بها، وكذلك ابن أخي في الأردن البالغ من العمر 15 عامًا والذي لديه ذوق موسيقي انتقائي للغاية،" يقول السلطي. "أعتقد أن الأمر يعود إلى قدرتها على المزج بين الشرق والغرب."
تتعدد العوامل التي ساهمت في انتشار الموسيقى العربية عالميًا في السنوات الأخيرة:
منصات البث الرقمي: أتاحت منصات مثل سبوتيفاي وأنغامي وديزر للمستمعين حول العالم اكتشاف الموسيقى العربية بسهولة.
وسائل التواصل الاجتماعي: لعبت منصات مثل تيك توك وإنستغرام دورًا محوريًا في انتشار الأغاني العربية عالميًا.
الأحداث العالمية الكبرى: مثل كأس العالم في قطر 2022، التي سلطت الضوء على الثقافة والموسيقى العربية.
التعاون مع فنانين عالميين: مثل تعاون نيكي ميناج ومالوما مع المغنية اللبنانية ميريام فارس في أغنية "توكه توكه".
أصوات عربية واعدة تستحق المتابعة
بالإضافة إلى إليانا وويجز، هناك العديد من الأصوات العربية الواعدة التي بدأت تلفت الانتباه عالميًا:
نادين الروبي: مغنية سودانية تمزج بين السول والهيب هوب والأفروبيتس، وتُعد من أبرز المواهب الصاعدة في المشهد الموسيقي العربي.
فلوكا: فنانة مصرية مقيمة في نيويورك، وُصفت بأنها "فنانة النيو سول التي تجلب النيل إلى نيويورك".
بهجت: فنان ليبي يُعتبر من رواد موجة البوب العربي الجديدة، ويتميز بأسلوبه المرح والحيوي.
تمتم: مغنية سعودية حققت نجاحًا كبيرًا في عام 2022، وشاركت في حملة كوكاكولا لكأس العالم.
عود خالد: مغني راب عراقي يُعرف بأسلوبه المميز في موسيقى الدريل والتراب.
تحديات وآفاق مستقبلية
رغم النجاحات المتزايدة للموسيقى العربية عالميًا، لا تزال هناك تحديات تواجه الفنانين العرب في طريقهم نحو العالمية:
الحواجز اللغوية: رغم أن بعض الفنانين مثل إليانا أثبتوا أن اللغة ليست عائقًا، إلا أن اللغة العربية لا تزال تمثل تحديًا للوصول إلى جمهور أوسع.
التمثيل في الإعلام الغربي: لا تزال الموسيقى العربية تحتاج إلى مزيد من التمثيل والاعتراف في الإعلام الغربي.
فرص الأداء العالمية: على الرغم من زيادة فرص العروض الحية في المهرجانات العالمية، إلا أنها لا تزال محدودة مقارنة بالأنماط الموسيقية الأخرى.
يقول داني حجار، كاتب موسيقي لبناني-أمريكي: "ما نراه اليوم هو مجرد البداية. نحن نشهد وضع الأساس لانطلاقة حقيقية للموسيقى العربية عالميًا، تمامًا كما حدث مع الموسيقى اللاتينية قبل عقد من الزمن."
الموسيقى العربية والهوية في عصر العولمة
تثير الشعبية المتزايدة للموسيقى العربية عالمياً أسئلة مهمة حول الهوية والأصالة والتمثيل الثقافي. كيف يمكن للفنانين العرب الحفاظ على خصوصيتهم الثقافية مع الانفتاح على الجمهور العالمي؟ وما هي التنازلات التي قد يضطرون لتقديمها في سبيل تحقيق النجاح العالمي؟
يقول الموسيقي والمنتج اللبناني زياد الرحباني: "المعادلة الصعبة هي كيف تحافظ على روح الموسيقى العربية وجوهرها مع تقديمها بشكل يجذب المستمع غير العربي. البعض يختار طريق التبسيط والتغريب، لكن هذا قد يفقد الموسيقى عمقها وثرائها."
من جانبها، ترى الدكتورة ليلى المنصور، باحثة في الدراسات الثقافية: "الموسيقى العربية المعاصرة تعكس حالة الهجانة الثقافية التي يعيشها الشباب العربي اليوم، المتأثر بالثقافات العالمية مع تمسكه بهويته. هذا ليس تناقضاً بل هو تعبير عن واقع معقد ومتعدد الطبقات."
دور التكنولوجيا في تشكيل المشهد الموسيقي العربي الجديد
لعبت التكنولوجيا دوراً محورياً في تغيير طريقة إنتاج الموسيقى العربية وتوزيعها واستهلاكها. أدوات الإنتاج الرقمية أتاحت للفنانين المستقلين إمكانية إنتاج موسيقى ذات جودة عالية بتكلفة منخفضة نسبياً، بينما سمحت منصات التواصل الاجتماعي بالوصول المباشر إلى الجمهور دون الحاجة إلى وسطاء تقليديين.
يقول المنتج الموسيقي السعودي فيصل الزهراني: "قبل عشر سنوات، كان من المستحيل تقريباً أن يحقق فنان عربي مستقل نجاحاً دون دعم شركة إنتاج كبيرة. اليوم، يمكن لفنان موهوب بكاميرا هاتف وحساب على تيك توك أن يصل إلى ملايين المستمعين في غضون أيام."
وتضيف سارة الخطيب، مديرة قسم الموسيقى في منصة أنغامي: "البيانات التي نجمعها تظهر تغيراً كبيراً في أنماط الاستماع. المستمع العربي اليوم أكثر انفتاحاً على التجريب والأصوات الجديدة، وهذا يفسح المجال لظهور أنماط موسيقية مبتكرة لم تكن لتجد طريقها إلى الجمهور في الماضي."
الموسيقى العربية كجسر ثقافي
في عالم تتزايد فيه الانقسامات والصراعات، تبرز الموسيقى العربية كجسر ثقافي يمكنه تقريب المسافات بين الشعوب وتحطيم الصور النمطية. من خلال الموسيقى، يمكن للمستمعين غير العرب التعرف على جوانب من الثقافة العربية بعيداً عن الصور السلبية التي تروجها وسائل الإعلام أحياناً.
يقول الموسيقي الفلسطيني-الأمريكي عمر أفندي: "عندما أعزف موسيقى تمزج بين المقامات العربية والجاز الأمريكي، أشعر أنني أبني جسراً بين ثقافتين أنتمي إليهما. الموسيقى تتجاوز حدود اللغة والسياسة، وتخاطب الإنسان مباشرة."
وتضيف المغنية المغربية-البريطانية نادية أطلس: "كثيراً ما يأتي إلي أشخاص بعد الحفلات ليخبروني أن موسيقاي غيرت نظرتهم للثقافة العربية. هذا هو قوة الفن: القدرة على تغيير التصورات وفتح آفاق جديدة."
خلاصة
تشهد الموسيقى العربية المعاصرة مرحلة تاريخية من النمو والانتشار العالمي، مدفوعة بجيل جديد من الفنانين المبدعين الذين يحافظون على هويتهم العربية مع انفتاحهم على التأثيرات العالمية. إن نجاح فنانين مثل إليانا وويجز ليس مجرد إنجاز شخصي، بل هو انتصار للثقافة العربية وتأكيد على قدرتها على الانتشار والتأثير عالميًا.
مع استمرار تطور المشهد الموسيقي وتزايد الاهتمام العالمي بالأصوات المتنوعة، يبدو مستقبل الموسيقى العربية أكثر إشراقًا من أي وقت مضى، واعدًا بمزيد من الإبداع والانتشار والتأثير على الساحة الموسيقية العالمية.
"الموسيقى العربية اليوم تمر بمرحلة مشابهة لما مرت به الموسيقى اللاتينية قبل ظهور أغنية 'ديسباسيتو' التي فتحت الأبواب أمام هذا النمط الموسيقي عالميًا. نحن نشهد بداية عصر ذهبي جديد للموسيقى العربية، عصر يتميز بالتنوع والإبداع والتواصل العابر للحدود." - محمد الحسيني، محلل موسيقي ومنتج